فصل: فصل: إن قلع صحيح العينين عين أعور فله القصاص

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وكذلك إذا قطع منه طرفا من مفصل قطع منه مثل ذلك المفصل‏,‏ إذا كان الجاني يقاد من المجني عليه لو قتله‏]‏

أجمع أهل العلم على جريان القصاص في الأطراف وقد ثبت ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص‏}‏ وبخبر الربيع بنت النضر بن أنس ويشترط لجريان القصاص فيها شروط خمسة أحدها‏:‏ أن يكون عمدا‏,‏ على ما أسلفناه والثاني‏:‏ أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني بحيث يقاد به لو قتله والثالث‏:‏ أن يكون الطرف مساويا للطرف فلا يؤخذ صحيح بأشل ولا كاملة الأصابع بناقصة‏,‏ ولا أصلية بزائدة ولا يشترط التساوي في الدقة والغلظ والصغر والكبر‏,‏ والصحة والمرض لأن اعتبار ذلك يفضي إلى سقوط القصاص بالكلية والرابع‏:‏ الاشتراك في الاسم الخاص فلا تؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين‏,‏ ولا إصبع بمخالفة لها ولا جفن أو شفة إلا بمثلها والخامس‏:‏ إمكان الاستيفاء من غير حيف وهو أن يكون القطع من مفصل‏,‏ فإن كان من غير مفصل فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلاف نعلمه وقد روي نمر بن جابر عن أبيه ‏(‏‏,‏ أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف‏,‏ فقطعها من غير مفصل فاستعدى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمر له بالدية فقال‏:‏ إني أريد القصاص قال‏:‏ خذ الدية‏,‏ بارك الله لك فيها‏)‏ ولم يقض له بالقصاص رواه ابن ماجه‏.‏

فصل‏:‏

وفي قطع اليد ثمان مسائل أحدها‏:‏ قطع الأصابع من مفاصلها فالقصاص واجب لأن لها مفاصل ويمكن القصاص من غير حيف‏,‏ وإن اختار الدية فله نصفها لأن في كل إصبع عشر الدية الثانية‏:‏ قطعها من نصف الكف فليس له القصاص من موضع القطع لأنه ليس بمفصل فلا يؤمن الحيف فيه وإن أراد قطع الأصابع ففيه وجهان أحدهما‏:‏ ليس له ذلك وهذا اختيار أبي بكر لأنه يقتص من غير موضع الجناية‏,‏ فلم يجز كما لو كان القطع من الكوع يحققه أن امتناع قطع الأصابع إذا قطع من الكوع‏,‏ إنما كان لعدم المقتضى أو وجود مانع وأيهما كان فهو متحقق إذا كان القطع من نصف الكف والثاني‏:‏ له قطع الأصابع ذكره أصحابنا وهو مذهب الشافعي لأنه يأخذ دون حقه لعجزه عن استيفاء حقه‏,‏ فأشبه ما لو شجه هاشمة فاستوفى موضحة ويفارق ما إذا قطع من الكوع لأنه أمكنه استيفاء حقه فلم يجز له العدول إلى غيره وهل له حكومة في نصف الكف‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏,‏ ليس له ذلك لأنه يجمع بين القصاص والأرش في عضو واحد فلم يجز كما لو قطع من الكوع والثاني‏:‏ له أرش نصف الكف لأنه حق له تعذر استيفاؤه‏,‏ فوجب أرشه كسائر ما هذا حاله وإن اختار الدية فله نصفها‏,‏ لأن قطع اليد من الكوع لا يوجب أكثر من نصف الدية فما دونه أولى الثالثة‏:‏ قطع من الكوع فله قطع يده من الكوع‏,‏ لأنه مفصل وليس له قطع الأصابع لأنه غير محل الجناية فلا يستوفي منه مع إمكان الاستيفاء من محلها الرابعة‏:‏ قطع من نصف الذراع‏,‏ فليس له أن يقطع من ذلك الموضع لأنه ليس بمفصل وقد ذكرنا الخبر الوارد فيه وله نصف الدية‏,‏ وحكومة في المقطوع من الذراع وهل له أن يقطع من الكوع‏؟‏ فيه وجهان كما ذكرنا في من قطع من نصف الكف ومن جوز له القطع من الكوع فعنده في وجوب الحكومة لما قطع من الذراع وجهان ويخرج أيضا في جواز قطع الأصابع وجهان فإن قطع منها‏,‏ لم يكن له حكومة في الكف لأنه أمكنه أخذه قصاصا فلم يكن له طلب أرشه كما لو كانت الجناية من الكوع الخامسة‏:‏ قطع من المرفق‏,‏ فله القصاص منه لأنه مفصل وليس له القطع من الكوع لأنه أمكنه استيفاء حقه بكماله والاقتصاص من محل الجناية عليه‏,‏ فلم يجز له العدول إلى غيره وإن عفا إلى الدية فله دية اليد وحكومة للساعد السادسة‏:‏ قطعها من العضد‏,‏ فلا قصاص فيها في أحد الوجهين وله دية اليد‏,‏ وحكومة للساعد وبعض العضد والثاني‏:‏ له القصاص من المرفق وهل له حكومة في الزائد‏؟‏ على وجهين‏:‏ وهل له القطع من الكوع‏؟‏ يحتمل وجهين السابعة‏:‏ قطع من المنكب فالواجب القصاص لأنه مفصل وإن اختار الدية‏,‏ فله دية اليد وحكومة لما زاد الثامنة‏:‏ خلع عظم المنكب ويقال له‏:‏ مشط الكتف‏,‏ فيرجع فيه إلى اثنين من ثقات أهل الخبرة فإن قالوا‏:‏ يمكن الاستيفاء من غير أن تصير جائفة استوفى وإلا صار الأمر إلى الدية وفي جواز الاستيفاء من المرفق أو ما دونه مثل ما ذكرنا في نظائره ومثل هذه المسائل في الرجل‏,‏ والساق كالذراع والفخذ كالعضد والورك كعظم الكتف‏,‏ والقدم كالكف‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وليس في المأمومة ولا في الجائفة قصاص‏]‏

المأمومة‏:‏ شجاج الرأس وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ‏,‏ وتسمى تلك الجلدة أم الدماغ لأنها تجمعه فالشجة الواصلة إليها تسمى مأمومة وآمة لوصولها إلى أم الدماغ والجائفة في البدن‏,‏ وهي التي تصل إلى الجوف وليس فيهما قصاص عند أحد من أهل العلم نعلمه إلا ما روي عن ابن الزبير أنه قص من المأمومة فأنكر الناس عليه‏,‏ وقالوا‏:‏ ما سمعنا أحدا قص منها قبل ابن الزبير وممن لم ير في ذلك قصاصا مالك والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن علي رضي الله عنه‏:‏ لا قصاص في المأمومة وقاله مكحول‏,‏ والزهري والشعبي وقال عطاء والنخعي‏:‏ لا قصاص في الجائفة وروى ابن ماجه‏,‏ في ‏"‏ سننه ‏"‏ عن العباس بن عبد المطلب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا قود في المأمومة‏,‏ ولا في الجائفة ولا في المنقلة‏)‏ ولأنهما جرحان لا تؤمن الزيادة فيهما فلم يجب فيهما قصاص‏,‏ ككسر العظام‏.‏

فصل‏:‏

وليس في شيء من شجاج الرأس قصاص سوى الموضحة وسواء في ذلك ما دون الموضحة كالحارصة‏,‏ والبازلة والباضعة والمتلاحمة‏,‏ والسمحاق وما فوقها وهي الهاشمة والمنقلة والآمة وبهذا قال الشافعي فأما ما فوق الموضحة‏,‏ فلا نعلم أحدا أوجب فيها القصاص إلا ما روي عن ابن الزبير أنه أقاد من المنقلة‏,‏ وليس بثابت عنه وممن قال به عطاء وقتادة وابن شبرمة‏,‏ ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحدا خالف ذلك ولأنهما جراحتان لا تؤمن الزيادة فيهما‏,‏ أشبها المأمومة والجائفة وأما ما دون الموضحة فقد روي عن مالك وأصحاب الرأي أن القصاص يجب في الدامية والباضعة والسمحاق ولنا‏,‏ أنها جراحة لا تنتهي إلى عظم فلم يجب فيها قصاص كالمأمومة‏,‏ ولأنه لا يؤمن فيها الزيادة فأشبه كسر العظام وبيان ذلك‏,‏ أنه إن اقتص من غير تقدير أفضى إلى أن يأخذ أكثر من حقه وإن اعتبر مقدار العمق‏,‏ أفضى إلى أن يقتص من الباضعة والسمحاق موضحة ومن الباضعة سمحاقا لأنه قد يكون لحم المشجوج كثيرا بحيث يكون عمق باضعته كعمق موضحة الشاج‏,‏ أو سمحاقه ولأننا لم نعتبر في الموضحة قدر عمقها فكذلك في غيرها وبهذا قال الحسن‏,‏ وأبو عبيد‏.‏

فصل‏:‏

وإن كانت الشجة فوق الموضحة فأحب أن يقتص موضحة جاز ذلك بغير خلاف بين أصحابنا وهو مذهب الشافعي لأنه يقتص على بعض حقه‏,‏ ويقتص من محل جنايته فإنه إنما يضع السكين في موضع وضعها الجاني لأن سكين الجاني وصلت إلى العظم ثم تجاوزته‏,‏ بخلاف قاطع الساعد فإنه لم يضع سكينه في الكوع وهل له أرش ما زاد على الموضحة‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ ليس له ذلك وهو اختيار أبي بكر لأنه جرح واحد فلا يجمع فيه بين قصاص ودية‏,‏ كما لو قطع الشلاء بالصحيحة وكما في الأنفس إذا قتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر والثاني‏:‏ له أرش ما زاد على الموضحة‏,‏ اختاره ابن حامد وهو مذهب الشافعي لأنه تعذر القصاص فيه فانتقل إلى البدل‏,‏ كما لو قطع إصبعيه ولم يمكن الاستيفاء إلا من واحدة وفارق الشلاء بالصحيحة لأن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست متميزة بخلاف مسألتنا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وتقطع الأذن بالأذن‏]‏

أجمع أهل العلم على أن الأذن تؤخذ بالأذن‏,‏ وذلك لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والأذن بالأذن‏}‏ ولأنها تنتهى إلى حد فاصل فأشبهت اليد وتؤخذ الكبيرة بالصغيرة وتؤخذ أذن السميع بأذن السميع‏,‏ وتؤخذ أذن الأصم بكل واحدة منهما لتساويهما فإن ذهاب السمع نقص في الرأس لأنه محله‏,‏ وليس بنقص فيهما وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة لأن الثقب ليس بعيب وإنما يفعل في العادة للقرط والتزين به فإن كان الثقب في غير محله‏,‏ أو كانت مخرومة أخذت بالصحيحة ولم تؤخذ الصحيحة بها لأن الثقب إذا انخرم صار نقصا فيها‏,‏ والثقب في غير محله عيب ويخير المجني عليه بين أخذ الدية إلا قدر النقص وبين أن يقتص فيما سوى المعيب ويتركه من أذن الجاني وفي وجوب الحكومة له في قدر الثقب وجهان وإن قطعت بعض أذنه‏,‏ فله أن يقتص من أذن الجاني وتقدير ذلك بالأجزاء فيؤخذ النصف بالنصف والثلث بالثلث‏,‏ وعلى حساب ذلك وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ لا يجزئ القصاص في البعض لأنه لا ينتهي إلى حد ولنا أنه يمكن تقدير المقطوع وليس فيها كسر عظم‏,‏ فجرى القصاص في بعضها كالذكر وبهذا ينتقض ما ذكروه‏.‏

فصل‏:‏

وتؤخذ الأذن المستحشفة بالصحيحة وهل تؤخذ الصحيحة بها‏؟‏ فيه وجهان أحدهما‏:‏ لا تؤخذ بها لأنها ناقصة معيبة‏,‏ فلم تؤخذ بها الصحيحة كاليد الشلاء وسائر الأعضاء والثاني‏:‏ تؤخذ بها لأن المقصود منها جمع الصوت وحفظ محل السمع‏,‏ والجمال وهذا يحصل بها كحصوله بالصحيحة بخلاف سائر الأعضاء‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطع أذنه فأبانها‏,‏ فألصقها صاحبها فالتصقت وثبتت فقال القاضي‏:‏ يجب القصاص وهو قول الثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق لأنه وجب بالإبانة وقد وجدت الإبانة وقال أبو بكر‏:‏ لا قصاص فيها وهو قول مالك لأنها لم تبن على الدوام فلم يستحق إبانة أذن الجاني دواما وإن سقطت بعد ذلك قريبا أو بعيدا‏,‏ فله القصاص ويرد ما أخذ وعلى قول أبي بكر إذا لم تسقط‏:‏ له دية الأذن وهو قول أصحاب الرأي وكذلك قول الأولين إذا اختار الدية وقال مالك‏:‏ لا عقل لها إذا عادت مكانها‏,‏ فأما إن قطع بعض أذنه فالتصق فله أرش الجرح ولا قصاص فيه وإن قطع أذن إنسان‏,‏ فاستوفى منه فألصق الجاني أذنه فالتصقت وطلب المجني عليه إبانتها‏,‏ لم يكن له ذلك لأن الإبانة قد حصلت والقصاص قد استوفى فلم يبق له قبله حق فأما إن كان المجني عليه لم يقطع جميع الأذن‏,‏ إنما قطع بعضها فالتصق كان للمجني عليه قطع جميعها لأنه استحق إبانة جميعها ولم يكن إبانة والحكم في السن كالحكم في الأذن‏.‏

فصل‏:‏

ومن ألصق أذنه بعد إبانتها‏,‏ أو سنه فهل تلزمه إبانتها‏؟‏ فيه وجهان مبنيان على الروايتين‏,‏ فيما بان من الآدمي هل هو نجس أو طاهر‏؟‏ إن قلنا‏:‏ هو نجس لزمته إزالتها ما لم يخف الضرر بإزالتها‏,‏ كما لو جبر عظمه بعظم نجس وإن قلنا بطهارتها لم تلزمه إزالتها وهذا اختيار أبي بكر وقول عطاء بن أبي رباح وعطاء الخراساني‏,‏ وهو الصحيح لأنه جزء آدمي طاهر في حياته وموته فكان طاهرا كحالة اتصاله فأما إن قطع بعض أذنه فالتصق‏,‏ لم تلزمه إبانتها لأنها طاهرة على الروايتين جميعا لأنها لم تصر ميتة لعدم إبانتها ولا قصاص فيها قاله القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه لا يمكن المماثلة في المقطوع منها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والأنف بالأنف‏]‏

وأجمعوا على جريان القصاص في الأنف أيضا للآية والمعنى ويؤخذ الكبير بالصغير‏,‏ والأقنى بالأفطس وأنف الأشم بأنف الأخشم الذي لا يشم لأن ذلك لعلة في الدماغ والأنف صحيح كما تؤخذ أذن السميع بأذن الأصم وإن كان بأنفه جذام أخذ به الأنف الصحيح‏,‏ ما لم يسقط منه شيء لأن ذلك مرض فإن سقط منه شيء لم يقطع به الصحيح‏,‏ إلا أن يكون من أحد جانبيه فيأخذ من الصحيح مثل ما بقي منه أو يأخذ أرش ذلك والذي يجب فيه القصاص أو الدية هو المارن وهو مالان منه‏,‏ دون قصبة الأنف لأن ذلك حد ينتهي إليه فهو كاليد يجب القصاص فيما انتهى إلى الكوع وإن قطع الأنف كله مع القصبة‏,‏ فعليه القصاص في المارن وحكومة للقصبة هذا قول ابن حامد ومذهب الشافعي وفيه وجه آخر‏,‏ أنه لا يجب مع القصاص حكومة كي لا يجتمع في عضو واحد قصاص ودية وقياس قول أبي بكر أنه لا يجب القصاص ها هنا لأنه يضع الحديدة في غير الموضع الذي وضعها الجاني فيه فلم يملك ذلك‏,‏ كقوله في من قطع اليد من نصف الذراع أو الكف وذكر القاضي ها هنا كقول أبي بكر وفي نظائره مثل قول ابن حامد ولا يصح التفريق مع التساوي وإن قطع بعض الأنف‏,‏ قدر بالأجزاء وأخذ منه بقدر ذلك كقولنا في الأذن‏,‏ ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضي إلى قطع جميع أنف الجاني لصغره ببعض أنف المجني عليه لكبره ويؤخذ المنخر الأيمن بالأيمن‏,‏ والأيسر بالأيسر ولا يؤخذ أيمن بأيسر ولا أيسر بأيمن‏,‏ ويؤخذ الحاجز بالحاجز لأنه يمكن القصاص فيه لانتهائه إلى حد‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والذكر بالذكر‏]‏

لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن القصاص يجرى في الذكر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأن له حدا ينتهي إليه ويمكن القصاص فيه من غير حيف‏,‏ فوجب فيه القصاص كالأنف ويستوي في ذلك ذكر الصغير والكبير والشيخ والشاب‏,‏ والذكر الكبير والصغير والصحيح والمريض لأن ما وجب فيه القصاص من الأطراف لم يختلف بهذه المعاني كذلك الذكر ويؤخذ كل واحد من المختون والأغلف بصاحبه لأن الغلفة زيادة تستحق إزالتها‏,‏ فهي كالمعدومة وأما ذكر الخصي والعنين فذكر الشريف أن غيرهما لا يؤخذ بهما وهو قول مالك لأنه لا منفعة فيهما لأن العنين لا يطأ ولا ينزل‏,‏ والخصي لا يولد له ولا ينزل ولا يكاد يقدر على الوطء فهما كالأشل‏,‏ ولأن كل واحد منهما ناقص فلا يؤخذ به الكامل كاليد الناقصة بالكاملة وقال أبو الخطاب‏:‏ يؤخذ غيرهما بهما‏,‏ في أحد الوجهين وهو مذهب الشافعي لأنهما عضوان صحيحان ينقبضان وينبسطان ويؤخذ بهما غيرهما‏,‏ كذكر الفحل غير العنين وإنما عدم الإنزال لذهاب الخصية والعنة لعلة في الظهر‏,‏ فلم يمنع ذلك من القصاص بهما كأذن الأصم وأنف الأخشم وقال القاضي‏:‏ لا يؤخذ ذكر الفحل بالخصي لتحقق نقصه والإياس من برئه وفي أخذه بذكر العنين وجهان أحدهما‏,‏ يؤخذ به غيره لأنه غير ميئوس من زوال عنته ولذلك يؤجل سنة بخلاف الخصي والصحيح الأول فإنه إذا ترددت الحال بين كونه مساويا للآخر وعدمه‏,‏ لم يجب القصاص لأن الأصل عدمه فلا يجب بالشك‏,‏ سيما وقد حكمنا بانتفاء التساوي لقيام الدليل على عنته وثبوت عيبه ويؤخذ كل واحد من الخصي والعنين بمثله لتساويهما‏,‏ كما يؤخذ العبد بالعبد والذمي بالذمي‏.‏

فصل‏:‏

ويؤخذ بعضه ببعضه ويعتبر ذلك بالأجزاء دون المساحة‏,‏ فيؤخذ النصف بالنصف والربع بالربع وما زاد أو نقص فبحسب ذلك‏,‏ على ما ذكرناه في الأنف والأذن‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والأنثيان بالأنثيين‏]‏

ويجرى القصاص في الأنثيين لما ذكرنا من النص والمعنى ولا نعلم فيه خلافا فإن قطع إحداهما وقال أهل الخبرة‏,‏ إنه ممكن أخذها مع سلامة الأخرى جاز فإن قالوا‏:‏ لا يؤمن تلف الأخرى لم تؤخذ خشية الحيف ويكون فيها نصف الدية وإن أمن تلف الأخرى أخذت اليمنى باليمنى‏,‏ واليسرى باليسرى لما ذكرناه في غيرهما‏.‏

فصل‏:‏

وفي القصاص في شفري المرأة وجهان أحدهما‏:‏ لا قصاص فيهما لأنه لحم لا مفصل له ينتهي إليه فلم يجب فيه قصاص كلحم الفخذين هذا قول القاضي والثاني‏:‏ فيهما القصاص لأن انتهاءهما معروف‏,‏ فأشبها الشفتين وجفني العين وهذا قول أبي الخطاب ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطع ذكر خنثى مشكل أو أنثييه‏,‏ أو شفريه فاختار القصاص لم يكن له قصاص في الحال‏,‏ ويقف الأمر حتى يتبين حاله لأننا لا نعلم أن المقطوع عضو أصلي وإن اختار الدية وكان يرجى انكشاف حاله أعطيناه اليقين‏,‏ فيكون له حكومة في المقطوع وإن كان قد قطع جميعها فله دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين وإن يئس من انكشاف حاله‏,‏ أعطى نصف دية الذكر والأنثيين ونصف دية الشفرين وحكومة في نصف ذلك كله‏.‏

فصل‏:‏

يجب القصاص في الأليتين الناتئتين بين الفخذين والظهر بجانبي الدبر وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال المزني‏:‏ لا قصاص فيهما لأنهما لحم متصل بلحم‏,‏ فأشبه لحم الفخذ ولنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأن لهما حدا ينتهيان إليه فجرى القصاص فيهما‏,‏ كالذكر والأنثيين‏.‏

مسألة ‏:‏

قال ‏:‏ ‏[‏وتقلع العين بالعين‏]‏

أجمع أهل العلم على القصاص في العين ، وممن بلغنا قوله في ذلك مسروق ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ‏.‏ وروي عن علي ، رضي الله عنه ‏.‏ والأصل فيه قول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏ ‏.‏ ولأنها تنتهي إلى مفصل ، فجرى القصاص فيها كاليد ‏.‏ وتؤخذ عين الشاب بعين الشيخ المريضة ، وعين الكبير بعين الصغير والأعمش ، ولا تؤخذ صحيحة بقائمة ؛ لأنه يأخذ أكثر من حقه ‏.‏

فصل‏:‏

فإن قلع عينه بإصبعه لم يجز أن يقتص بإصبعه لأنه لا يمكن المماثلة فيه وإن لطمه فذهب ضوء عينه لم يجز أن يقتص منه باللطمة لأن المماثلة فيها غير ممكنة ولهذا لو انفردت من إذهاب الضوء لم يجب فيها قصاص‏,‏ ويجب القصاص في البصر فيعالج بما يذهب ببصره من غير أن يقلع عينه كما روى يحيي بن جعدة‏,‏ أن أعرابيا قدم بحلوبة له إلى المدينة فساومه فيها مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه فنازعه فلطمه‏,‏ ففقأ عينه فقال له عثمان‏:‏ هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو عنه‏؟‏ فأبى‏,‏ فرفعهما إلى علي رضي الله عنه فدعا علي بمرآة فأحماها ثم وضع القطن على عينه الأخرى ثم أخذ المرآة بكلبتين‏,‏ فأدناها من عينه حتى سال إنسان عينه وإن وضع فيها كافورا يذهب بضوئها من غير أن يجني على الحدقة جاز وإن لم يمكن إلا بالجناية على العضو سقط القصاص لتعذر المماثلة وذكر القاضي أنه يقتص منه باللطمة‏,‏ فيلطمه المجني عليه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه وإلا كان له أن يذهبه بما ذكرنا وهذا مذهب الشافعي وهذا لا يصح فإن اللطمة لا يقتص منها منفردة‏,‏ فلا يقتص منها إذا سرت إلى العين كالشجة إن كانت دون الموضحة ولأن اللطمة إذا لم تكن في العين‏,‏ لا يقتص منها بمثلها مع الأمن من إفساد العضو في العين فمع خوف ذلك أولى ولأنه قصاص فيما دون النفس فلم يجز بغير الآلة المعدة كالموضحة وقال القاضي‏:‏ لا يجب القصاص‏,‏ إلا أن تكون اللطمة تذهب بذلك غالبا فإن كانت لا تذهب به غالبا فذهب فهو شبه عمد لا قصاص فيه وهو قول الشافعي لأنه فعل لا يفضي إلى الفوات غالبا‏,‏ فلم يجب به القصاص كشبه العمد في النفس وقال أبو بكر‏:‏ يجب القصاص بكل حال لعموم قوله‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏ ولأن اللطمة إذا أسالت إنسان العين كانت بمنزلة الجرح‏,‏ ولا يعتبر في الجرح الإفضاء إلى التلف غالبا‏.‏

فصل‏:‏

فلو لطم عينه فذهب بصرها وابيضت‏,‏ وشخصت فإن أمكن معالجة عين الجاني حتى يذهب بصرها وتبيض وتشخص من غير جناية على الحدقة‏,‏ فعل ذلك وإن لم يمكن إلا ذهاب بعض ذلك مثل أن يذهب البصر دون أن تبيض وتشخص‏,‏ فعليه حكومة للذي لم يمكن القصاص فيه كما لو جرح هاشمة فإنه يقتص موضحة‏,‏ ويأخذ أرش باقي جرحه وعلى قول أبي بكر لا يستحق مع القصاص أرش وقال القاضي‏:‏ إذا اقتص منه يعني لطمه مثل لطمته فذهب ضوء عينه ولم تبيض‏,‏ ولم تشخص فإن أمكن معالجتها حتى تبيض وتشخص من غير ذهاب الحدقة‏,‏ فعله وإن تعذر ذلك فلا شيء عليه‏,‏ كما لو اندملت موضحة المجني عليه وحشة قبيحة وموضحة الجاني حسنة جميلة لم يجب شيء‏,‏ كذلك ها هنا وهذا بناه على أن اللطمة حصل بها القصاص كما حصل بجرح الموضحة‏,‏ وقد بينا فساد هذا‏.‏

فصل‏:‏

وإن شجه شجة دون الموضحة فأذهب ضوء عينه لم يقتص منه مثل شجته‏,‏ بغير خلاف نعلمه لأنها لا قصاص فيها إذا لم يذهب ضوء العين فكذلك إذا ذهب ويعالج ضوء العين بمثل ما ذكرنا في اللطمة وإن كانت الشجة فوق الموضحة‏,‏ فله أن يقتص موضحة وهل له أرش الزيادة عليها‏؟‏ فيه وجهان وإن ذهب ضوء العين وإلا استعمل فيه ما يزيله من غير أن يجني على الحدقة وإن شجه موضحة فله أن يقتص منها وحكم القصاص في البصر على ما ذكرنا من قبل واختلف أصحاب الشافعي في القصاص في البصر‏,‏ في هذه المواضع كلها فقال بعضهم‏:‏ لا قصاص فيه لأنه لا يجب بالسراية كما لو قطع إصبعه‏,‏ فسرى القطع إلى التي تليها فأذهبها عندهم وقال بعضهم‏:‏ يجب القصاص ها هنا قولا واحدا لأن ضوء العين لا تمكن مباشرته بالجناية‏,‏ فيقتص منه بالسراية كالنفس فيقتص من البصر كما ذكرنا فيما قبل هذا‏.‏

فصل‏:‏

إذا قلع الأعور عين صحيح‏,‏ فلا قود وعليه دية كاملة روي ذلك عن عمر وعثمان‏,‏ رضي الله عنهما وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وقال الحسن والنخعي‏:‏ إن شاء اقتص وأعطاه نصف دية وقال مالك‏:‏ إن شاء اقتص وإن شاء أخذ دية كاملة وقال مسروق والشعبي‏,‏ وابن سيرين وابن مغفل والثوري‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر‏:‏ له القصاص‏,‏ ولا شيء عليه وإن عفا فله نصف الدية لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏ وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في العينين الدية ولأنها إحدى شيئين فيهما الدية‏,‏ فوجب القصاص ممن له واحدة أو نصف الدية كما لو قطع الأقطع يد من له يدان ولنا‏,‏ قول عمر وعثمان رضي الله عنهما ولم نعرف لهما مخالفا في عصرهما ولأنه لم يذهب بجميع بصره فلم يجز له الاقتصاص منه بجميع بصره‏,‏ كما لو كان ذا عينين وأما إذا قطع يد الأقطع فلنا فيه منع ومع التسليم‏,‏ فالفرق بينهما أن يد الأقطع لا تقوم مقام اليدين في النفع الحاصل بهما بخلاف عين الأعور فإن النفع الحاصل بالعينين حاصل بها‏,‏ وكل حكم يتعلق بصحيح العينين يثبت في الأعور مثله ولهذا صح عتقه في الكفارة دون الأقطع فأما وجوب الدية كاملة عليه وهو قول مالك‏,‏ فلأنه لما دفع عنه القصاص مع إمكانه لفضيلته ضوعفت الدية عليه كالمسلم إذا قتل ذميا عمدا ولو قلع الأعور إحدى عيني الصحيح خطأ‏,‏ لم يلزمه إلا نصف الدية بغير اختلاف لعدم المعنى المقتضى لتضعيف الدية‏.‏

فصل‏:‏

ولو قلع الأعور عين مثله ففيه القصاص‏,‏ بغير خلاف لتساويهما من كل وجه إذا كانت العين مثل العين في كونها يمينا أو يسارا وإن عفا إلى الدية‏,‏ فله جميعها وكذلك إن قلعها خطأ أو عفا بعض مستحقى القصاص لأنه ذهب بجميع بصره‏,‏ فأشبه ما لو قلع عيني صحيح‏.‏

فصل‏:‏

وإن قلع الأعور عيني صحيح فقال القاضي‏:‏ هو مخير إن شاء اقتص ولا شيء له سوى ذلك لأنه قد أخذ جميع بصره‏,‏ فإن اختار الدية فله دية واحدة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وفي العينين الدية‏)‏ ولأنه لم يتعذر القصاص فلم تتضاعف الدية‏,‏ كما لو قطع الأشل يد صحيح أو كان رأس الشاج أصغر أو يد القاطع أنقص وقال القاضي‏:‏ يقتضي الفقه أن يلزمه ديتان‏,‏ إحداهما للعين التي تقابل عينه والدية الثانية لأجل العين الناتئة لأنها عين أعور والصحيح ما قلنا وهو قول أكثر أهل العلم‏,‏ وأشد موافقة للنصوص وأصح في المعنى‏.‏

فصل‏:‏

وإن قلع صحيح العينين عين أعور فله القصاص من مثلها‏,‏ ويأخذ نصف الدية نص عليه أحمد لأنه ذهب بجميع بصره وأذهب الضوء الذي بدله دية كاملة وقد تعذر استيفاء جميع الضوء‏,‏ إذ لا يمكن أخذ عينين بعين واحدة ولا أخذ يمين بيسرى فوجب الرجوع ببدل نصف الضوء ويحتمل أنه ليس له إلا القصاص من غير زيادة‏,‏ أو العفو على الدية كما لو قطع الأشل يدا صحيحة ولأن الزيادة ها هنا غير متميزة‏,‏ فلم يكن لها بدل كزيادة الصحيحة على الشلاء هذا مع عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏‏.‏

فصل‏:‏

وإن قطع الأقطع يد من له يدان فعليه القصاص‏,‏ وإن قطعت رجل الأقطع أو يده فله القصاص أو نصف الدية لأن يد الأقطع لا تقوم مقام يديه في الانتفاع والبطش‏,‏ ولا يجزئ في العتق عن الكفارة بخلاف عين الأعور فإنها تقوم مقام عينيه جميعا وقال القاضي‏:‏ إن كانت المقطوعة أولا قطعت ظلما أو قصاصا‏,‏ ففي الباقية نصف الدية رواية واحدة وإن كانت الأولى قطعت في سبيل الله ففي الثانية روايتان‏,‏ إحداهما‏:‏ نصف الدية والثانية دية كاملة لأنه عطل منافعه من العضوين جملة‏,‏ وأما إن قطع الأقطع يد من ليس بأقطع فإن قلنا‏:‏ إن في يد الأقطع دية كاملة فلا قصاص وإن قلنا‏:‏ لا تكمل فيها الدية فالقصاص واجب فيها‏,‏ واللائق بالفقه ما ذكرناه أولا والتعليل بتفويت منفعة العضوين ينتقض بما إذا قطعت الأولى قصاصا والقياس على عين الأعور غير صحيح‏,‏ لما بينهما من الفرق فأما إن قطعت أذن من قطعت إحدى أذنيه فليس له إلا نصف الدية‏,‏ رواية واحدة وإن قطع هو أذن ذي أذنين وجب عليه القصاص‏,‏ بغير خلاف علمناه لا في المذهب ولا في غيره لأن نفع كل أذن لا يتعلق بالأخرى‏.‏

فصل‏:‏

ويؤخذ الجفن بالجفن لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأنه يمكن القصاص فيه‏,‏ لانتهائه إلى مفصل وهذا مذهب الشافعي ويؤخذ جفن البصير بجفن البصير والضرير وجفن الضرير بكل واحد منهما‏,‏ لأنهما تساويا في السلامة من النقص وعدم البصر نقص في غيره لا يمنع أخذ أحدهما بالآخر كالأذن إذا عدم السمع منها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والسن بالسن‏]‏

أجمع أهل العلم على القصاص في السن للآية وحديث الربيع‏,‏ ولأن القصاص فيها ممكن لأنها محدودة في نفسها فوجب فيها القصاص كالعين ‏,‏ وتؤخذ الصحيحة بالصحيحة وتؤخذ المكسورة بالصحيحة لأنه يأخذ بعض حقه‏,‏ وهل يأخذ مع القصاص أرش الباقي‏؟‏ فيه وجهان ذكرناهما فيما مضى‏.‏

فصل‏:‏

ولا يقتص إلا من سن من أثغر أي سقطت رواضعه‏,‏ ثم نبتت يقال لمن سقطت رواضعه‏:‏ ثغر فهو مثغور‏,‏ فإذا نبتت قيل‏:‏ أثغر وأثغر لغتان وإن قلع سن من لم يثغر لم يقتص من الجاني في الحال‏,‏ وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأنها تعود بحكم العادة فلا يقتص منها كالشعر‏,‏ ثم إن عاد بدل السن في محلها مثلها على صفتها فلا شيء على الجاني كما لو قلع شعرة ثم نبتت‏,‏ وإن عادت مائلة عن محلها أو متغيرة عن صفتها كان عليه حكومة‏,‏ لأنها لو لم تعد ضمن السن فإذا عادت ناقصة ضمن ما نقص منها بالحساب ففي ثلثها ثلث ديتها‏,‏ وفي ربعها ربعها وعلى هذا وإن عادت والدم يسيل ففيها حكومة‏,‏ لأنه نقص حصل بفعله وإن مضى زمن عودها ولم تعد سئل أهل العلم بالطب‏,‏ فإن قالوا‏:‏ قد يئس من عودها فالمجني عليه بالخيار بين القصاص أو دية السن فإن مات المجني عليه قبل الإياس من عودها فلا قصاص‏,‏ لأن الاستحقاق له غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درئه وتجب الدية‏,‏ لأن القلع موجود والعود مشكوك فيه ويحتمل أنه إذا مات قبل مجيء وقت عودها‏,‏ أن لا يجب شيء لأن العادة عودها فأشبه ما لو حلق شعره فمات قبل نباته‏,‏ فأما إن قلع سن من قد أثغر وجب القصاص له في الحال لأن الظاهر عدم عودها‏,‏ وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال القاضي‏:‏ يسأل أهل الخبرة فإن قالوا‏:‏ لا تعود‏,‏ فله القصاص في الحال وإن قالوا‏:‏ يرجى عودها إلى وقت ذكروه لم يقتص حتى يأتى ذلك الوقت‏,‏ وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنها تحتمل العود فأشبهت سن من لم يثغر وإذا ثبت هذا‏,‏ فإنها إن لم تعد بعد فلا كلام وإن عادت‏,‏ لم يجب قصاص ولا دية وهذا قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر‏:‏ لا يسقط الأرش لأن هذه السن لا تستخلف عادة‏,‏ فإذا عادت كانت هبة مجددة ولذلك لا ينتظر عودها في الضمان ولنا أنها سن عادت فسقط الأرش‏,‏ كسن من لم يثغر وندرة وجودها لا يمنع ثبوت حكمها إذا وجدت فعلى هذا إن كان أخذ الأرش‏,‏ رده وإن كان استوفى القصاص لم يجز قلع هذه قصاصا‏,‏ لأنه لم يقصد العدوان وإن عادت سن الجاني دون سن المجني عليه ففيه وجهان‏,‏ أحدهما‏:‏ لا تقلع لئلا يأخذ سنين بسن واحدة‏,‏ وإنما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏السن بالسن‏}‏ والثاني تقلع وإن عادت مرات لأنه قلع سنه وأعدمها‏,‏ فكان له إعدام سنه ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين‏.‏

فصل‏:‏

وإن قلع سنا‏,‏ فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانية فلا شيء عليه‏,‏ لأن سن المجني عليه لما عادت وجب للجاني عليه دية سنه فلما قلعها‏,‏ وجب على الجاني ديتها للمجني عليه فقد وجب لكل واحد منهما دية سن فيتقاصان‏.‏